قال الله تعالى: {فَأَخَذَتْهُمْ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ}
ذكر في سورة الأعراف أنهم أخذتهم رجفة، أي رجفت بهم أرضهم وزلزلت زلزالاً شديداً أزهقت أرواحهم من أجسادها، وصيرت حيوان أرضهم كجمادها، وأصبحت جثثهم جاثية، لا أرواح فيها، ولا حركات بها ولا حواس لها.
وقد جمع الله عليهم أنواعاً من العقوبات وصنوفاً من المثلات، وأشكالاً من البليات، وذلك لما اتصفوا به قبيح الصفات، سلط الله عليهم رجفة شديدة أسكنت الحركات، وصيحة عظيمة أخمدت الأصوات، وظلة أرسل عليهم منها شرر النار من سائر أرجائها والجهات.
ولكنه تعالى أخبر عنهم في كل سورة بما يناسب سياقها، ويوافق طباقها، في سياق قصة الأعراف أرجفوا نبي الله وأصحابه، وتوعدوهم بالإخراج من قريتهم، أو ليعودن في ملتهم راجعين
فقال تعالى: {فَأَخَذَتْهُمْ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ}
فقابل الأرجفاف بالرجفة والإخافة بالخيفة وهذا مناسب هذا السياق ومتعلق بما تقدمه من السياق.
وأما في سورة هود فذكر أنهم أخذتهم الصيحة، فأصبحوا في ديارهم جاثمين، وذلك لأنهم قالوا لنبي الله على سبيل التهكم والاستهزاء والتنقص:
{أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ}
فناسب أن يذكر الصيحة التي هي كالزجر عن تعاطي هذا الكلام القبيح الذي واجهوا به الرسول الكريم الأمين الفصيح، فجاءتهم صيحة أسكتتهم مع رجفة أسكنتهم.
وأما في سورة الشعراء فذكر أنه أخذهم عذاب يوم الظلة، وكان ذلك إجابة لما طلبوا، وتقريباً إلى ما إليه رغبوا. فإنهم قالوا:
{قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مِنْ الْمُسَحَّرِينَ، وَمَا أَنْتَ إِلا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنْ الْكَاذِبِينَ، فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفاً مِنْ السَّمَاءِ إِنْ كُنْتَ مِنْ الصَّادِقِينَ، قَالَ رَبِّي أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ}.
قال الله تعالى وهو السميع العليم {فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ}.
ذكروا أنهم أصابهم حر شديد، وأسكن الله هبوب الهواء عنهم سبعة أيام فكان لا ينفعهم مع ذلك ماء ولا ظل ولا دخولهم في الأسراب،
فهربوا من محلتهم إلى البرية، فأظلتهم سحابة فاجتمعوا تحتها ليستظلوا بظلها، فلما تكاملوا فيه أرسلها الله ترميهم بشرر وشهب، ورجفت بهم الأرض وجاءتهم صيحة من السماء فأزهقت الأرواح، وخربت الأشباح.
{فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ، الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً كَانُوا هُمْ الْخَاسِرِينَ}
ونجى الله شعيباً ومن معه من المؤمنين . كما قال تعالى وهو أصدق القائلين:
{وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْباً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَأَخَذَتْ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ، كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا أَلا بُعْداً لِمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ}.
ثم ذكر تعالى عن نبيهم أنه نعاهم إلى أنفسهم موبخاً ومؤنباً ومقرعاً، فقال تعالى:
{يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ }
أي قد أديت ما كان واجباً علي من البلاغ التام والنصح الكامل وحرصت على هدايتكم بكل ما أقدر عليه وأتوصل إليه فلم ينفعكم ذلك لأن الله لا يهدي من يضل وما لهم من ناصرين، فلست أتأسف بعد هذا عليكم لأنكم لم تكونوا تقبلون النصيحة ولا تخافون يوم الفضيحة.
ولهذا قال: {فَكَيْفَ آسَى} أي أحزن {عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ}. أي لا يقبلون الحق ولا يرجعون إليه ولا يلتفتون إليه فحل بهم من بأس الله الذي لا يرد ما لا يدافع ولا يمانع ولا محيد لأحد أريد به عنه، ولا مناص عنه.
وقد ذكر الحافظ بن عساكر في تاريخه عن ابن عباس "أن شعيباً عليه السلام كان بعد يوسف عليه السلام، وعن وهب بن منبه أن شعيباً عليه السلام مات بمكة ومن معه من المؤمنين وقبورهم غربي الكعبة بين دار الندوة ودار بني سهم".