قال الله تعالى: {وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيّاً مِنْ الصَّالِحِينَ، وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ}.
وقد كانت البشارة به من الملائكة لإبراهيم وسارة، لما مروا بهما مجتازين ذاهبين إلى مدائن قوم لوط، ليدمروا عليهم، لكفرهم وفجورهم كما سيأتي بيانه في موضعه إن شاء الله تعالى.
قال الله تعالى: {وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلاماً قَالَ سَلامٌ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ، فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ، وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ، قَالَتْ يَا وَيْلَتَا أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخاً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ، قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ}.
يذكر تعالى: أن الملائكة قالوا، وكانوا ثلاثة جبريل وميكائيل واسرافيل، لما وردوا على الخليل، حسبهم أولاً أضيافاً، فعاملهم معاملة الضيوف، وشَوَى لهم عجلاً سميناً، من خيار بقره، فلما قرّبه إليهم وعرض عليهم، لم يَرَ لهم همّةً إلى الأكل بالكلية، وذلك لأن الملائكة ليس فيهم قوة الحاجة إلى الطعام (فنكرهم) إبراهيم وأوجس منهم خيفة {وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ} أي لندمر عليهم.
فاستبشرت عند ذلك سارة غضباً لله عليهم، وكانت قائمة على رؤوس الأضياف، كما جرت به عادة الناس من العرب وغيرهم، فلما ضحكت استبشاراً بذلك قال الله تعالى: {فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ} أي بشرتها الملائكة بذلك {فَأَقْبَلَتْ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ} أي في صرخة {فَصَكَّتْ وَجْهَهَا} أي كما يفعل النساء عند التعجب.
وقالت: {يَا وَيْلَتَا أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخاً} أي كيف يلد مثلي وأنا كبيرة وعقيم أيضاً، وهذا بعلي أي زوجي شيخاً؟ تعجبت من وجود ولد، والحالة هذه، ولهذا قالت: {إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ، قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ}.
وكذلك تعجَّب إبراهيم عليه السلام استبشاراً بهذه البشارة وتثبيتاً لها وفرحاً بها: {قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَنْ مَسَّنِي الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ، قَالُوا بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُنْ مِنْ الْقَانِطِينَ}
أكدوا الخبر بهذه البشارة وقرروه معه فبشروهما {بِغُلامٍ عَلِيمٍ}. وهو إسحاق أخو إسماعيل غلام عليم، مناسب لمقامه وصبره، وهكذا وصفه ربه بصدق الوعد والصبر. وقال في الآية الأخرى {فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ}.
فقوله تعالى: {فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ} دليل على أنها تستمتع بوجود ولدها إسحاق، ثم من بعده بولده يعقوب.
وهذا إن شاء الله ظاهر قوي ويؤيده ما ثبت في الصحيحين. في حديث سليمان بن مهران الأعمش، عن إبراهيم بن يزيد التيمي، عن أبيه، عن أبي ذر قال: قلت: يا رسول الله أي مسجد وضع أول؟ قال: المسجد الحرام. قلت: ثم أي؟ قال: المسجد الأقصى. قلت: كم بينهما؟ قال: أربعون سنة. قلت: ثم أي؟ قال: ثم حيث أدركت الصلاة فصلِّ فكلها مسجد".