ما بقى
الفصل الاول : الصياد
فتى يسير بخطوات بطيئة، حافي القدمين ،توقف على صخرة عالية جلس على ركبته وراح يتطلع ما حولة، الارض..... سوداء بالكامل، بلا زرع ولا حياة، السماء ..... حمراء كالدم بغيوم سوداء، الجبال بركانية ثائرة، وفي الاسفل خرائب مدينة تعود الى زمن بعيد، بدى المكان وكانه قطعة من الجحيم لكن الفتى الذي يبلغ من العمر 14 سنة ينظر بدون خوف وكأن هذا المكان هو وطنه، الفتى يرتدي ملابسا من الجلد الغريب، لم تكن الملابس قد خُيِّطت، بل صنعت بشكل بدائي، ربط الفتى بكلا يديه مخالب طويلة ومدببة وحمل معه خنجرا طويلا مزخرفا ومصنوعا بإحكام، علق على ظهره قربة ماء كبيرة وحقيبة اخرى وطلى كلا من وجهه وملابسه بالرماد الاسود الذي يغطي الارض، كان الفتى يرتدي قلادة من عظام صغيرة غريبة الشكل.
اخذ الفتى يحدق في المكان فترة طويلة ثم راح بنظره الى بعيد جدا، الى نور ابيض ناصع لاح خلف الجبال البركانية، لقد كان الون الابيض الوحيد وسط هذا الجحيم، نظر الفتى الى ذلك النور بأمل ثم قال بصوت منخفض ( ليتني استطيع الوصول الى هناك ) ، فجأة ازداد النور، ارتفع ضجيج من ذلك المكان ثم اختفى النور تماما، وقف الفتى متفاجئا وقال ( مستحيل ) ، استمر فترة ينظر الى ذلك المكان لعل النور يعود مجددا، نظرة المفاجئة والحيرة في وجهه، ثم جلس على الارض، ضم ساقيه اليه، خبأ راسه بين ساقيه وراح يبكي.
استيقظ الفتى على صوت زئير مخيف، يبدو انه استغرق بالنوم بعد ان بكى فترة طويلة، راح الفتى يتطلع حوله فرأى من بعيد مخلوقا مخيفا، طوله بضعف طول الانسان، شكله كانه من شياطين الجحيم بهيئة ذئب وقرون ثلاثة، له عين واحدة حمراء متوهجة، ومخالب طويلة مدببة، بجسم قوي مرعب يكسوه جلد مثل الجلد الذي يرتديه الفتى، كان الوحش يسير على قدمين اثنين منتصبا وحيدا بين الخرائب القديمة، ابتسم الفتى وقال ( حان وقت العشاء ).
تحرك الفتى بخطوات خفيفة رشيقة، استخرج خنجره وتوجه نحو الوحش، لم يلحظ الوحش الفتى بينما يقترب منه بسرعة من وراء ظهره، وحين صار الفتى على مقربة من الوحش، تصاعدت اصوات لانفجارات عالية من بعيد، جاءت من جهة النور الذي اختفى، توقف الفتى متفاجئا فلاحظه الوحش واستدار اليه وزأر بشكل مرعب، قال الفتى منزعجا (اللعنة) وراح يركض بسرعة مبتعدا عن الوحش، ركض الوحش بسرعة مخيفة خلف الفتى محطما كل ما يقف بطريقه من الخرائب، انطلق الفتى برشاقة بين الخرائب مختبئا وهو يحاول ان يضيع اثره لكن الوحش استمر بالتحطيم والزأير، بينما كان الفتى يركض مسرعا بين الخرائب دخل زقاق صغير فوجد نفسه امام نهاية مسدودة من جدران الخرائب، التفت فرأى الوحش قد حاصره، انطلق الوحش ولوح بمخالبه الطويلة نحو رقبة الفتى، فقام الفتى بحركة رشيقة بالانطلاق بين قدمي الوحش مستعينا بجسمه الصغير، تسلق ظهر الوحش بسرعة امسك بأحد قرونه وذبحه بالخنجر، فسقط الوحش صريعا، قال الفتى وهو يتنهد ( احب ان اقوم بها بالطريقة الهادئة ).
سمع الفتى صوت زئير لجمع من الوحوش يقترب من المكان فقام بالقاء نفسه في الارض بعيدا عن الوحش غطى نفسه بالرماد الاسود من الارض وقام بخفض انفاسه حتى بدى كانه صخرة، اقترب جمع الوحوش، كان من الممكن ملاحظة الفتى بالنسبة للإنسان لكن الوحوش لم تلاحظه، يبدو انها ضعيفة البصر ويبدو ان الفتى يعرف ذلك، يبدو انه يعرف كل شيء عنهم، حدق الجمع بصديقهم الميت ثم استمر بالحركة حتى ابتعد مسافه بعيدة، تحرك الفتى من مكانه وتوجه نحو فريسته مزق الوحش بالخنجر الى اشلاء، جمع بعض اللحم ووضعه في الحقيبة، استخرج القلب الذي كان مغلف بقفص من العظام، انتزع عظمه صغيرة في مركز القلب، حفر في مركزها ثقبا صغيرا بخنجره واضافه الى قلادة العظام التي يرتديها.
وجد الفتى لنفسه مكانا امنا بين الخرائب، جمع بعض الخشب القديم جدا من الخرائب واوقد نارا منها، جعل اللحم الذي غنمه بسيخ حديد اخرجه من حقيبته ووضعه في وسط النار، راح الفتى يحدق باللحم وهو يحترق بينما كان يفكر بالنور الذي اختفى، ثم بالانفجارات التي جاءت من نفس الاتجاه، شعر بالحزن مجددا اخذ اللحم الذي بدا بالتفحم وصار يأكله، شرب قليل من الماء من القربة المعلقة على ظهره، اطفأ النار والتحف بالرماد الاسود ونام.
الفصل الثاني : الملاك
استيقظ الفتى متفاجئا على صوت انفجارات قريبة، انها نفس الانفجارات من البارحة لكنها قريبة جدا الان، ركض مسرعا من مخبئه، خرج بسرعة الى وسط مدينة الخرائب فرأى نورا يصدر من خارج المدينة، انه نفس النور الابيض الذي اعتاد على رؤيته من بعيد لكنه اقرب بكثير، ركض الفتى بسعادة نحو احدى الخرائب العالية تسلقها مسرعا وحدق باتجاه النور، فرأى هيئة انسان من بعيد، فضي اللون وقد احاط به جيش من الوحوش، تعجب الفتى من المنظر واستمر بالمراقبة، اقترب الجيش من الرجل فاشار الرجل بيده نحو الجيش وانبعث منها نور ابيض كالخيط، كان النور اذا لامس احد الوحوش قطعه نصفين، وبلمح البصر قضى على نصف الجيش، ثم اشار بيده الاخرى على النصف الاخر فانطلقت كرة من النور بسرعة ما ان وصلت الى الجيش حتى انفجرت انفجارا هائلا، ما هي الا لحظات حتى هرب ما بقى من الوحوش من هذا الرجل، ارتــعب الفتى من المــنظر وخاف خوفا شديدا، وقــال بصوت خافت مرعوب ( ما هذا الشيء؟ )، ما ان انهى الفتى جملته حتى التفت الرجل الى الفتى بسرعة، رجع الفتى بسرعة الى الوراء، نزل من الخرابة بسرعة متعثرا في طريقه، يبدو انه لم يكن مرعوبا بهذه الطريقة منذ زمن بعيد، ما ان وصل الى الارض حتى غطى نفسه بالرماد الاسود بسرعة، لكنه لم يتمكن من خفض انفاسه المتسارعة المرعوبة، قلبه يخفق بشدة، وهو يقول بصوت خافت ( لقد قضى عليهم بلحظة ... لقد قضى عليهم بلحظة )، بلع ريقه تم قال ( يجب ان ابقى هادئا .... يجب ان ابقى هادئا )، وتدريجيا بدأ بالهدوء لكنه لازال خائفا وهو يحدق بالفتحة المؤدية الى الخارج، بعد عشر دقائق، صار الفتى مطمئنا لكنه لم يبارح مكانه، زفر زفره ارتياح واذا به يسمع خطوات اقدام تقترب من الخارج، نور ازرق خفيف يقترب من الفتحة، فصار الفتى مجنونا من الرعب، ركض بكل سرعة نحو الفتحة، اخرج خنجره ووقف بوضع تأهب وصاح صيحة عالية، فاذا بالفتى تجمد بعد ذلك في مكانه متعجبا، ان الرجل يقف امامه مباشرة على مسافه ثلاث امتار، صار الفتى يحدق به، كان بهيئة رجل لكنه مغطى بالكامل بمعدن فضي براق، كان المعدن بتصميم عجيب وكانه درع جسم بشكل قطع يفصل بينها نور ازرق خفيف، كان شكله رائعا لكن درعه كان محطما، لاحظ الفتى ان يد الرجل قد تحطم جزء كبير من المعدن وبرزت يد بشرية مجروحة بجروح بليغة، كذلك في صدره ورجله، كان الدم يغطي بعض درعه وكان له جناحان معدنيان محطمان، تحول رعب الفتى الى دهشة واستمر بالتحديق بذلك الرجل الغامض، اما هو فنظر الى الفتى لفترة ثم اشار الى الفتى باللحاق به وتحرك مبتعدا، وقف الفتى متحيرا، هل يلحقه ام يهرب بأقصى سرعته، لاحظ جناحي الرجل فبدى الاطمئنان على الفتى وقام بالسير خلفه.
بعد ساعة من السير ابتعدا كثيرا عن الخرائب وصارا يمشيان بالعراء، لاحظ الفتى ان الوحوش تتجنب الاقتراب منهم وتكتفي بالمشاهدة من مسافة بعيدة جدا، التفت الى الرجل وقال له ( هل انت ملاك؟ )، لم يقل الرجل اي شيء واستمر بالسير، قال الفتى ( حدثني جدي عن ملائكة كانت تعيش في عصور بعيدة، كانت لها اجنحة، ليست كاجنحة الشياطين لكنها اجمل منها بكثير ) ، سكت الفتى منتظرا ردا لكن لم يجب الرجل بشيء، ( هل انت النور الابيض؟ ..... كنت انتظر رؤيته طوال حياتي، لكنه اختفى البارحة، ظننت اني لن اراه مجددا ) قال الفتى لكن لم يجب الرجل بشيء، سكت الفتى يائسا من الحديث معه واستمر بالسير، مضت عشر ساعات من المسير، بدى التعب على الفتى لكن الرجل استمر بالمسير، نظر اليه وقال ( اني جائع )، فتوقف الرجل لحظة ثم جلس، قال الفتى ( ابعدتنا كثيرا عن الخرائب، لم اكن بهذا البعد من قبل، كيف سأحصل على نار الان لشوي اللحم )، نظر الرجل الى الفتى للحظة ثم مد يده اليه، تعجب الفتى لكنه فهم قصد الرجل فاخرج اللحم من الحقيبة واعطاه للرجل، امسك الرجل باللحم، ظهر نور من يده اسفل اللحم فصار يطبخ اللحم بحرارة النور حتى نضج ومد يده للفتى معطيا اللحم له، ( اريده محروقا ) قال الفتى فتعجب منه الرجل لكنه نفذ ما يريد وزاد حرارة النور حتى احترق اللحم، اعطاه للفتى فاكله، ثم شرب قليلا من الماء من قربته المعلقة في ظهره، بدى انها على وشك النفاذ ( يجب ان اجد بعض الماء قريبا ) قال الفتى، نظر الرجل الى الفتى ثم قام بصعوبة، يبدو انه منهك، تحرك قليلا واشار بيده نحو الارض اطلق نورا رفيعا حفر فيه حفرة صغيرة على عمق مترين وصار يحدق بها، تحرك مسافة اخرى واعاد الكرة، اعاد الكرة مرة اخرى ففهم الفتى ما يرمي اليه (انا من سيجده) قال له وهو يركض باحد الاتجاهات، توقف الفتى ازاح الرماد عن الارض حتى بانت التربة، تحسسها، تذوقها، ثم ركض باتجاه اخر واعاد الكرة، توقف الرجل عن ما كان يفعله وصار يتبع الفتى، وبعد ساعة صاح الفتى بسرور وهو يقفز ( هنا .... هنا، احفر هنا ) اقترب الرجل من المكان اطلق نورا اقوى من السابق فحفر حفرة كبيرة وعميقة، امتلئ قاع الحفرة بالماء، راح الفتى يقفز ويقفز من الفرح وهو يقول ( هذا اسرع حفر بئر رأيته في حياتي ) توقف عن القــــفز وقال ( نحن نشكل فريقا رائعا.... لكن كيف سنستخرج الماء الان، لم احفر بئرا بهذا العمق في حياتي)، ابتعد الرجل عن الحفرة لوح بيده نحو عمق الحفرة بشكل زاوية واطلق شعاعا حفر به منحدرا نحو عمق البئر، لقد كان الشعاع قويا جدا بحيث نسف التراب نسفا، ركض الفتى بكل سعادة نحو المنحدر نزل الى الماء وصار يلعب به وهو ينادي ( رائع ... رائع، انت الافضل) توقف الفتى عن اللعب وتغيرت ابتسامته وهو يشاهد الرجل قد انخفض نوره الازرق بشكل كبير، ركع الرجل على ركبته ثم سقط على وجهه، ركض الفتى نحو الرجل بسرعة قائلا ( ايها الملاك! )، جلس بقربه بحيرة لا يعرف ما الذي يفعله لكن النور الازرق بدأ يعود تدريجيا، اطمأن الفتى لكن الرجل لم يقم بعد ذلك، (تحتاج الى بعض النوم... انا ايضا احتاج الى ذلك)، قال الفتى، استلقى بجانب الرجل، التحف بالرماد الاسود ونام.